من انا

mohmed hasan
بورسعيد, الاسماعيليه
ابحث عن الحقيقه فقط
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي

القائمة البريدية

المتابعين

اختر لغتك المفضلة

الماسونيه والثوره الروسيه

الثورة الروسية 1917

الحوادث التي سبقت الثورة الروسية: 
هزت حملة نابليون عام 1812 روسيا هزة عنيفة، تاركة إياها مثخنة بالجراح.. فأخذ القيصر ألكسندر الأول علي عاتقه إعادة تنظيم بلاده، وأصدر عددا من القوانين ألغت الأحكام الزجرية التي كانت مطبقة علي اليهود منذ عام 1772، والتي كانت تحدد إقامتهم في أمكنة معينة.. وبذل القيصر جهدا لحمل اليهود علي العمل في الزراعة وغيرها، وتشجيعهم علي الامتزاج الكامل بالمجتمع الروسي.
عام 1852 مات ألكسندر الأوّل، فخلفه علي العرش نيقولا الأول، فلم ينظر بعين الرضا إلي التغلغل السريع لليهود في الاقتصاد الروسي، ولم ترتح حكومته إلي الإصرار الذي أبداه اليهود للحفاظ علي تراثهم ولغتهم الخاصين وزيهم المميّز.
وهكذا، وفي محاولة منه لإذابة العنصر اليهوديّ في المجتمع الروسيّ، أصدر نيقولا الأول عام 1834، قوانين تجبرُ اليهود علي إرسال أولادهم إلي المدارس الحكومية، وذلك لمحو معاناة الاضطهاد الديني التي كانوا يشربون إياها في الطفولة.
غير أن النتيجة جاءت عكس المتوقع، لآن التعليم أصبح إلزاميا لأطفال اليهود، ولم يكن كذلك بالنسبة لأطفال الروس من غير اليهود، مما أدّي إلي جعل اليهود الفئة الأكثر ثقافة في روسيا!
وارتقي عرش روسيا القيصر ألكسندر الثاني عام 1855، وكان هو الذي وصفه بنجامين دزرائيلي بـ "أكثر أمراء روسيا تسامحا".. وقد كرس ألكسندر حياته لتحسين الأوضاع الحياتية للفلاحين والطبقات الكادحة واليهود.. وقد حرّر في عام 1861 23.000.000 عبد.. وقد كانوا عبيدا بكل ما في هذه الكلمة من معني، وكانت عمليات بيع الأراضي وشرائها تشملهم، فيباعون من سيد إلي سيد.
ودخل العديد من اليهود، الجامعات، ولكنهم بعد التخرج كانوا يواجهون مصاعب وعقبات قاسية.. ولإزالة هذا الإجحاف، أصدر القيصر أوامره بقبول هؤلاء اليهود في المناصب الحكومية، والسماح لهم بالسكن أينما شاءوا في الأراضي الروسية.. وما إن حل عام 1879، حتى كان من اليهود أطباء وممرضون وأطباء أسنان ورجال أعمال ومهن، وكان يسمح لهم بالعمل والسكن في أي مكان من روسيا.
ولكن القادة اليهود لحركة الثورة العالمية، كانوا مصممين علي الاستمرار في التحضير للثورة في العالم.. وكانت جماعاتهم الإرهابية ترتكب المجزرة تلو الأخرى، وعملوا علي كسب تأييد الرافضين من المثقفين في روسيا، وعلي زرع فكرة التمرد والثورة في عقول الجماهير العاملة.. وقاموا بأول محاولة لاغتيال القيصر الكسندر الثاني عام 1866.. ونجا القيصر من محاولتين لقتله بأعجوبة.. وتمكن المتآمرون أخيرا في المحاولة الثالثة من اغتياله عام 1881، في بيت يهودية تدعي هسيا هلفمان.
وبينما كانت القوات الثورية تحرج الحكومة الروسية في الداخل بكل الوسائل الممكنة، بإثارة المشاغبات والقيام بالاغتيالات السياسية، كانت القوي الخفية من مراكزها في إنكلترا وسويسرا والولايات المتحدة تحاول من جهتها توريط روسيا في حرب مع بريطانيا، ففي مثل هذه الحرب لن تستطيع أي من الإمبراطوريتين إحراز أي مكاسب تذكر.. وتكون النتيجة لمثل هذه الحرب إضعاف كلا البلدين ماديا، وتركهما فريسة سهلة للأعمال الثورية التالية.
في عدد تشرين الأولي 1881 من مجلة القرن التاسع عشر، كتب البروفيسور غولدوين سميث أستاذ التاريخ الحديث في جامعة أركسفورد يقول: "عندما كنت في إنكلترا لآخر مرة، كنا علي حافة الحرب مع روسيا.. وكان مقدرا لهذه الحرب أن تورط الإمبراطورية بأكملها.. وكانت المصالح اليهودية في أوروبا، وأداتها الرئيسية صحافة فيينا، تسعي بكل جهدها لدفعنا إلي المعركة".
كانت حادثة اغتيال "البابا الصغير" للروس (قيصر روسيا) السبب في موجة واسعة من الغضب، فجّرت أعمال العنف ضد السكان اليهود في العديد من الأراضي الروسية.. ومررت الحكومة الروسية "قوانين أيار" القاسية إرضاء لوجهات نظر الرسميين الروس الكبار، الذين قالوا: "إذا كانت سياسة التسامح التي اتبعها ألكسندر الثاني لم تكن كافية لإرضاء اليهود ومصالحتهم، فلن يرضيهم شيء بعد الآن إلا أن يبسطوا سيطرتهم المطلقة علي روسيا".. وهكذا وللمرة الثانية راح الشعب اليهودي بأسره ضحية الجرائم التي يرتكبها الذين نصبوا أنفسهم زعماء له.
في الثالث والعشرين من أيار عام 1882، طلب وفد يهودي برئاسة البارون جينزبيرغ مقابلة القيصر ألكسندر الثالث للاحتجاج علي القوانين المذكورة.. ووعد القيصر بإجراء تحقيق شامل في القضية بأجمعها، وخاصة فيما يتعلق بالأزمة بين اليهود وغير اليهود من سكان الإمبراطورية الروسية.. وفي الثالث من أيلول أصدر البيان الآتي: "منذ مدة والحكومة تولي بالغ العناية لليهود ومشاكلهم، مع الانتباه للأوضاع المحزنة للسكان المسيحيين الناشئة عن الطرق التي يستعملها اليهود في قضايا العمل والمال.. خلال العشرين سنة الماضية لم يكتف اليهود بالسيطرة علي كل التجارات والأعمال بفروعها، بل سيطروا أيضا علي أجزاء كبيرة من الأراضي، إما بشرائه أو بزراعتها.. وباستثناء القليل، كرس اليهود جهودهم كمجموع، ليس لإثراء الدولة ولفائدتها، بل لخداع الشعب الروسيّ بحيلهم الملتوية.. وقد قاسي الفقراء بنوع خاص من هذا، فتصاعدت الاحتجاجات من الرعايا، وتجلي ذلك في أعمال العنف التي قام بها الشعب ضد اليهود.. وقد سعت الحكومة لتخليص اليهود من الاضطهاد والمذابح، لكن لا يسعها تحت ضغط ملح إلا أن تتبني القوانين القاسية، لتخليص الشعب من اضطهاد اليهود وأعمالهم الشريرة".
إن إقرار قوانين أيار لم يكن فقط انتقاما لمقتل القيصر ألكسندر الثاني، وإنما كان نتيجة للتحذيرات المتوالية التي وجهها الاقتصاديون الروس للحكومة، بهدف الحد من النشاطات المالية غير المشروعة التي يمارسها اليهود، والتي تهدد الاقتصاد الروسي بالخراب، مع أنهم لا يشكلون سوي نسبة 4.2% من سكان الإمبراطورية.
***
كان اليهوديّ الألماني تيودور هيرتزل يبث الشكوك عند اليهود، عندما يقوم بإعلامهم عن سياسة كارل ريتر اللاسامية، وكيف أنّها تنتشر بسرعة بين الشعب الألماني.. واقترح هيرتتزل إقامة منظمة يهودية تدعى "حركة العودة إلي إسرائيل" Jewish Back to Israel Movement باسم المحافظين من اليهود.. وكانت تلك بداية الحركة الصهيونية.
***
بعدما أصدر القيصر ألكسندر الثالث حكمه بلوم اليهود، وإلقاء المسؤولية علي عاتقهم في حالة الفوضى والخراب الاقتصادي في الإمبراطورية، قامت قيادات الحركة الثورية بإنشاء "الحزب الاشتراكي الثوري".. وعهد بتنظيم هذا الحزب إلي رجل قاس لا يعرف الرحمة أسمه جيرشوني.. وكان تنظيم "القطاعات المقاتلة" من نصيب خياط يدعي يفنوا أرنف.. وشدد قواد الحركة الثورية علي ضرورة استجلاب غير اليهود إليها.
وبالإضافة إلي التسبب بالاضطرابات العمالية وخلق الأوضاع السيئة بين طبقات المجتمع الروسي، كانت الأحزاب الثورية فيما بين 1900 و 1906 تثير المتاعب الدينية، حتى أوصلتها إلي درجة الغليان.. وكانت القمة التي وصلت إليها تلك المتاعب حوادث القتل والاغتيال بالجملة.. وحدث الانفجار بشكل ثورة عام 1905.
كان من الشخصيات الرسمية الذين قام باغتيالهم قسم الإرهاب في الحزب الثوري، بوغوليبوف وزير التربية عام 1901.. وجاءت هذا الحادث تسجيلا لغضب اليهود علي السياسة التربوية التي تضمنتها قوانين أيار، فقد حددت عدد اليهود الذي يسمح لهم بالانتساب إلي مدارس الدولة وجامعاتها، بنسبة لا تزيد علي نسبة السكان اليهود إلي تعداد الشعب الروسيّ كله.
وفي العام التالي "1902" اغتيل وزير الداخلية سيباغين، تأكيدا لغضب اليهود علي سياسة قوانين أيار، والتي قضت بمنع اليهود من السكن خارج أحيائهم ومجمعاتهم الخاصة.
عام 1903 اغتيل بوغدانوفيتش حاكم يوفا.. وفي عام 1904 قتل رئيس الوزراء فيشيليف فون بيلف.. وعام 1905 انفجرت أول ثورة عامة في روسيا، واغتيل خال القيصر الدوق سرجيوس في 17 شباط.. وفي كانون الأول 1905 اضطهد الجنرال دوبراسو الثوريين، ولكنهم اغتالوه في العام 1906.
بعدما ألقي القيصر اللوم علي عاتق اليهود واتهمهم بالتسبب بالحالة المتردية في روسيا، تلقي البارون جينزبيرغ تعليمات بالعمل علي تفتيت الإمبراطورية الروسية.. وكان من ضمن الخطة خلق الفوضى والاضطراب بين صفوف الجيش الروسي في الشرق الأقصى، عن طريق تدمير خطوط المواصلات في سيبيريا.. وقد أدي ذلك إلي إيقاف الإمدادات والمعونات عن الجيش البري والبحرية الروسية.
ومن طرف أخر، أمر أحد ضباط البحرية الروس سفنه، بإطلاق النار علي أسطول من سفن الصيد البريطانية التي كانت في بحر الشمال.. وكان رد الفعل الشعبي في بريطانيا عنيفا.. وقد تطوع بعد هذه الحادثة عدد كبير من ضباط البحرية البريطانية ومن ملاحي السفن التجربة البريطانية لتقديم خدماتهم لليابان.
بخلاف أنّ أصحاب المصارف العالميين فرضوا عقوبات اقتصادية علي الإمبراطورية الروسية، وأوصلوها حتى الإفلاس تقريبا.. وضربوا حظرا علي التجارة والمبادلات الروسية.. وعام 1904 وبعد توريط روسيا في الحرب مع اليابان، نكثت مؤسسة روتشيلد بوعودها، ورفضت إمداد روسيا بالمساعدات المالية، بينما قامت شركة كوهن ـ لوب وشركائهما في نيويورك بإمداد اليابان بكل القروض التي طلبتها.
جاء في الموسوعة البريطانية طبعة عام 1947 في المجلد الثاني الصفحة 76 ما يلي: "وكان الوزير الروسي يسعي بكل جهده للحصول علي المال.. ودخلت الحكومة الروسية في مفاوضات مع دار روتشيلد للحصول علي قرض كبير.. ووقع الطرفان اتفاقا مبدئيا، إلا أن دار روتشيلد أبلغت وزير المال الروسي أنه ما لم تتوقف أعمال الاضطهاد ضد اليهود، فإن الدار ستتكون مضطرة للانسحاب من العقد.. وقد كانت الحاجة الملحة للخزينة الروسية واحدة من الأسباب التي دفعت للتحالف الفرنسي الروسي، تماما كما كان إنهاء معاهدة بسمارك للحياد المشترك".
وكانت مؤسسة يعقوب شيف في نيويورك منذ العام 1897 تموّل حركات الإرهابيين في روسيا.. وعام 1904 ساعد في تمويل الثورة التي نشبت في العام التالي. وكما ساعد في تنظيم حملة عالمية لتمويل ثورة سنة 1917 التي أعطته وشركاءه أول فرصة لوضع نظرياتهم الديكتاتورية موضع التنفيذ.

لينين:
اشترك ألكسندر أوليانوف في المؤامرة التي هدفت إلي اغتيال القيصر ألكسندر الثالث.. وقد فشلت تلك المحاولة، وقبض علي ألكسندر أوليانوف وحوكم وحكم عليه بالموت.. وكان هذا هو السبب في أن أخاه فلاديميير نذر نفسه للقضية الثورية، ولمع نجمه وترقي في القسوة والسلطان، حتى أصبح رئيسا للحزب البلشفي، واتخذ لنفسه اسم "لينين".. وقد أصبح فيما بعد الحاكم المطلق الأول لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية.
تلقي لينين ثقافة جامعية.. وقام الطلاب اليهود بإقناعه أنه قد آن الأوان لقلب الطبقة الحاكمة لكي تباشر الجماهير حكم نفسها بنفسها.
ولمع نجم لينين كواحد من المثقفين المفكرين، وارتبط بقادة الحزب الثوري حين كان في أوائل العقد الثالث من عمره.. وفي العام 1895 سافر لينين إلي سويسرا ـ وكان عمره 25 سنة ـ لملاقاة بليخانوف، الذي فر من روسيا.
وفي سويسرا انضم لينين وبليخانوف، الذين كانا من غير اليهود، إلي فيرازاسوليتش و ب. أكسلرود ويوليوس تسديرباوم، وكانوا كلهم من اليهود، وألفوا جمعية ماركسية على نطاق عالميّ، أسموها "جماعة تحرير العمال".
***
أقنعت المحاولة الثورية المجهضة عام 1905 لينين، بأن الطريق الوحيد للقيام بثورة ناجحة، هو تنظيم لجنة دولية تتولى الإعداد لتنفيذ الخطة التي يتفق عليها.. وهكذا أوجد لينين الكومنترن، وهي اللجنة المركزية الدولية للتخطيط الثوري.
***
بعد ما قرّ رأي لينين حول سياسته الخاصة، عاد إلي روسيا مع مارتوف لتنظيم حملة التمويل، التي تألفت من عمليات الابتزاز وسرقات المصارف وغيرها من الأعمال غير المشروعة.. واحتج لينين لذلك بأنه من المنطقي أن يأخذ أموال الناس الذين يخطط لقلب حكومتهم... وأصر لينين علي أن يكون من برامج التدريب للمبتدئين في الحزب عمليات سرقات المصارف ونسف مخافر الشرطة وتصفية الخونة والجواسيس.
والحقيقة أن القادة القلائل الأول للشيوعية كانوا ينتمون إلي طبقة العمال.. وكان معظمهم من المثقفين ثقافة حسنة.. وفي عام 1895 تسببوا بسلسلة من الاضطرابات، تحوّل بعضها إلي أعمال شغب.. وهكذا أوجدوا واحدا من الأصول الأساسية في التخطيط الثوري "تطوير الحوادث الصغيرة حتى تصبح أعمال شغب، والتسبب في إحداث مواجهة فعلية مباشرة بين الشعب والشرطة".
***
ألقي القبض علي لينين ومارتوف وعدد آخر من الثوريين وأرسلوا إلي السجن، وأنهي لينين سجنه عام 1897.. وهكذا أخذ لينين معه زوجته اليهودية الشابة وأمها، وذهبوا جميعا إلي المنفي.. وخلال فترة المنفى، اتفق لينين ومارتوف وبوتريسوف علي أن ينشئوا صحيفة بعد منفاهم، تكون جامعة لشتات المفكرين والطاقات العقلية في القوي الثورية، التي كانت ما تزال منقسمة إلي أحزاب عديدة.
وبعد أن أنهي لينين فترة الحكم بالنفي في شباط 1900، وأنشأ "الابسكرا" Iskra ومعناها الشرارة.. وكانت زوجة لينين سكرتيره مجلس تحريرها.. ولمدة من الزمن كانت تتم طباعة الجريدة في ميونخ بألمانيا، وكانت نسخ الجريدة تهرب إلي روسيا وغيرها من البلدان بواسطة الشبكة السرية التابعة لماسونيي الشرق الأكبر.
ودعت الصحيفة إلي إنشاء مؤتمر لتوحيد الجماعات الماركسية المختلفة، يكون مركزه في بروكسل عام 1903.. وتتمثل في هذا المؤتمر الديموقراطيون الاشتراكيون من روسيا، والديموقراطيون الاشتراكيون البولنديون التابعون لروزا لوكسمبورغ وجماعة تحرير العمل وجماعة "الماكسيماليين".. ولكن الشرطة البلجيكية اتخذت إجراءات مضادة، مما دفع الأعضاء للتحرك إلي لندن.. ولهذا المؤتمر أهمية تاريخية، فخلاله حدث الانشقاق العقائدي بين الكتاب الذين يكتبون في "الشرارة"، وأصبح لينين زعيما لمجموعة البولشفيك الذين كانوا يشكلون الأكثرية، وأصبح مارتوف زعيما لمجموعة المنشفيك وكانوا الأقلية.
وقد قام المنشفيك بثورتهم عام 1905 في روسيا، بعد أحداث الأحد الدامي، الذي ألقي اللوم فيها علي القيصر.. ولكن الذين تحروا الحقائق وجدوا دلائل كافية علي أن الحادث كان مخططا له، ومنفذا من قبل الجماعات الإرهابية، بهدف إثارة الغضب والحقد ضد القيصر بين جموع العمال غير اليهود.. وقد مكنت تلك الحادثة زعماء الحركة الثورية من الاعتماد علي الألوف من الرجال والنساء من غير اليهود، الذين كانوا حتى ذلك اليوم الحزين يدينون بالولاء للقيصر ويدعونه "الأب الصغير".
***
في الثاني من كانون الثاني قامت بعض الاضطرابات العمالية في معامل بوتيلوف الضخمة في بطرسبرج، ودعي للإضراب العام.. ولكن الأب جابون، قال إنه سيحل المشاكل المعلقة بالتحدث مباشرة مع القيصر.. وفي يوم الأحد 22 كانون الثاني نظم الأب جابون مسيرة سليمة كبيرة، اشترك فيها الألوف من العمال مصحوبين بنسائهم وأطفالهم.. واتجهت المسيرة إلي أبواب القصر.. وبحسب التقارير الصحيحة كانت المسيرة منظمة ومنضبطة تماما.. وكان المشتركون فيها يحملون لافتات كتب عليها عبارات الولاء للقيصر.. وعلي أبواب القصر، وبدون أدني إنذار، انهالت زخات الرصاص من البنادق والرشاشات حاصدة العمال، وناشرة الفوضى في المسيرة.. وذبح المئات من العمال مع عائلاتهم، وتحولت الساحة أمام القصر إلي فوضي موجعة.. ومنذ ذلك اليوم يعرف هذا التاريخ (22 كانون الثاني) بيوم الأحد الدامي.. هل كان نيقولا الثاني مسؤولا.. الحقيقة الثابتة أنه لم يكن في القصر، ولا حتى في المدينة في ذلك الوقت.. ومن المعلوم أن ضابطا من ضباط الحرس هو الذي أصدر أمر إطلاق النار إلي الجنود.. ومن المحتمل أن يكون هذا الضابط منفذا لأوامر رؤسائه الإرهابيين.. وكان هذا العمل بمثابة الشرارة التي تدير المحرك، وتلا ذلك وهج الثورة الشاملة.
بصرف النظر عمن كان المسئول، فقد كانت النتيجة أن انضم عشرات الألوف من العمال الذين كانوا يدينون بالولاء للقيصر، إلي الحزب الاشتراكي الثوري، وامتدت الحركة إلي المدن الأخرى.. وحاول القيصر أن يكبت المد الثوري، فأمر منذ مطلع شباط بإجراء تحقيق في الحادثة علي يد لجنة شيدلوفسكي.. وفي آب أعلن أن الاستعدادات جارية لتشكيل مجلس تمثيلي تشريعي ديموقراطي، وعرف هذا بعد تأسيسه بالدوما Duma.. وعرض أن يمنح عفوا شاملا لكل السجناء السياسيين.. وتحت مفعول هذا العفو، عاد لينين وزعماء البلاشقة إلي روسيا في تشرين الأول.. ولكن لم يستطع القيصر برغم كل ما فعله أن يلجم المد الثوري.
في العشرين من تشرين الأول 1905 أعلن اتحاد عمال السكك الحديدية الذي يسيطر عليه المنشفيك الإضراب العام.. وفي الخامس والعشرين من ذلك الشهر امتد الإضراب وشمل موسكو وسمولنسك وكيرسك وغيرها من البلدان.. وفي السادس والعشرين من الشهر تأسست حكومة بطرسبرج الثورية.. وكانت تلك الحكومة تحت سيطرة المنشفيك في حزب العمل الاشتراكي الديموقراطي الروسيّ، مع أن الحزب الاشتراكي كان ممثلا.. وكان أول رئيس له هو منشفيك سبوردفيسك. وقد تم إبداله بسرعة بجورجي نوسار. وهذا بدوره خلع علي يد تروتسكي الذي أصبح رئيسا اعتبارا من التاسع من كانون الأول 1905.. وفي السادس عشر من كانون الأول ألقت قوة عسكرية القبض علي تروتسكي وعلي 300 من أعضاء الحكومة الثورية.. ولم يكن بين الموقوفين بلشفيّ بارز واحد.
ولم تنته الثورة.. في العشرين من كانون الأول استولي يهودي اسمه بارفوس علي السلطة في إدارة ثورية جديدة، ودعا إلي إضراب عام في بطرسبرج، فاستجاب لندائه 90.000 عامل.. وفي اليوم التالي أضرب 150.000 عامل في موسكو.. وفي الثلاثين من كانون الأول عادت بعض الوحدات وبعض الضباط الذين كانوا ما يزالون موالين للقيصر، واستعادوا السلطة بأعجوبة.. وهكذا وضعوا حدا للثورة.. وحافظ القيصر نيقولا علي وعده وتم إنشاء الدوما وانتخاب المجلس التشريعي.
***
في عام 1907 عقد المؤتمر الخامس لحزب العمل الاشتراكي الديموقراطي الروسي في لندن.. ودعا هذا المؤتمر لدراسة ثورة 1905 المجهضة.. وألقي لينين تبعة الفشل علي انعدام التعاون بين المنشفيك وبقية الزعماء الثوريين، ودعا إلي سياسة موحدة وإلي عمل موحد.
ورد مار توف الضربة للينين، واتهمه بأنه قصر في تقديم المعونة المفروضة عليه لثورتهم.. واتهمه خاصة بحجز المعونة المالية عنهم.. وكان ما يثير الإزعاج لدي ماروتوف وغيره من الزعماء اليهود مثل ابراهاموفيتش وزورا لوكسمبورغ، هو أن لينين قد استطاع تأمين المال اللازم لحضور هذا العدد الكبير من المندوبين في المؤتمر.. واتهموه بأنه يقوم بتمويل حزبه البلشفي عن طريق النهب والخطف والتزوير والسرقة.. ووبّخوه لرفضه أن يكتتب بجزء معتبر من أمواله المنهوبة لصالح منظمة الوحدة المركزية.
واتفق المؤتمرون في النهاية علي وجوب إيجاد تعاون أوثق بين القادة الثوريين وقرروا اختيار من سيقوم بتحرير صحفهم، وألقوا أهمية كبري علي الدعاية، مع التشديد علي أن كل ما ينشر في الصحف يجب أن يكون ضمن سياسة الصحيفة التي تلتزم بخط الحزب.
وفي العام 1908 بدا البولشفيكك إصدار صحيفتهم "البروليتاريا".. وأصدر المنشفيك "جو لوس سوسيتال ديموقراطيا".. بينما أصدر تروتسكي مطبوعة شبه مستقلة سماها "فيينا برافده" Vienna Pravda.
وفي العام 1909، حصل لينين علي التأييد غير المشروط من زعيمين يهوديين، هما زينوفييف وكامينيف.. وأصبحوا يعرفون "بالترويكا" أي الثلاثي.. واستمرت هذه الصداقة حتى وفاة لينين في عام 1924.
***
قرر لينين أن يختبر شجاعة ومدي إمكانية الوثوق بتلميذه الجديد ستالين، وأراد أيضا أن يُري القواد الآخرين في الحركات الأخرى أنه مستقل ماليا.. وللقيام بهذا العمل المزدوج كلف لينين ستالين بسرقة مصرف تيفليس.. واختار ستالين شريكا له في تلك المهمة أرمنيا يدعي بترويان، الذي أبدل اسمه فيما بعد فأصبح كامو.. وكمنا لعربة المصرف، وقذفها بترويان بقنبلة فجّرت كل ما فيها، ولم يبق صحيحا إلا الصندوق المتين الذي يحوي 250.000 روبل.. وقتل في هذا الحادث 30 شخصا.. وهكذا أثبت ستالين قدرة قيادية كافية فيه.
***
في نهاية ثورة 1905، شرع القيصر نيقولا الثاني بإجراء إصلاح جذري، وصمم على تحويل الملكية الروسية المطلقة إلي حكم ملكي دستوري علي الطريقة الانكليزية.. وبدأ مجلس الدوما بالعمل، وكان رئيس الوزراء بيتر أو كاديفيتش ستولين أحد المصلحين الكبار، وقد أصدر "قوانين ستوليين"، التي منحت الحقوق المدنية للفلاحين، الذين كانوا يشكلون نسبة 85% من مجموع الشعب الروسي.. وقد أدت إصلاحاته الزراعية إلي تأمين المعونات المالية الكافية للفلاحين، بحيث أصبح بمستطاع الفلاح شراء أرضه بنفسه.. وكان اعتقاده يتجه إلي أنّ الوسيلة الوحيدة لمحاربة دعاة الطريقة الشيوعية في الحياة، هي تشجيع فكرة الاستهلاك الفردي.
وكان هم الزعماء الثوريين هو الاستيلاء علي السلطة، ولم تكن تهمهم الإصلاحات في شيء.. وفي العام 1906 حاولت جماعة إرهابية اغتيال ستولين، فدمروا منزله بقنبلة.. وحيكت خطط عديدة للتخلص من رئيس الوزراء، الذي لم يكن الشعب الروسي ليحلم بأفضل منه.. وفي ليلة مظلمة من ليالي أيلول عام 1911، اغتيل أكبر وزير مصلح عرفته روسيا، بينما كان يحضر عرضا مسرحيا في مسرح كييف.. وكان القاتل محاميا يهوديا يدعي موردخاي بورغوف.
وقد حاولت الحكومة الروسية أن تطبّق إصلاحات ستولين بعد مقتله.. وفي عام 1912 أعطي قانونين تأمين العمال الصناعيين، تعويضا عن المرض وعن الحوادث، بنسبة ثلثي المرتب العادي عن المرض وثلاثة أرباع عن الحوادث.. وأعطيت صحف الحركات الثورية صفة شرعية لأول مرة بعد إنشائها.. واتسعت المدارس الحكومية وامتدت.. وأعيد النظر في قوانين الانتخابات لتضمن انتخابا أكثر حرية وأكثر تمثيلا.. وفي العام 1913 منحت حكومة القيصر عفوا شاملا لكل السجناء.. وفور إطلاقهم من السجن شرع هؤلاء في التآمر والتخطيط لقلب الحكومة الروسية. ودعا الإرهابيون إلي تصفية أفراد العائلة المالكة.. ولكن الإصلاحات كانت قد أقنعت الأكثرية الساحقة من الشعب الروسي.. وبدا في ذلك الوقت أن قضية الثورة أصبحت مسألة ميتة، فركز الثوريون مجهوداتهم في بلدان أخري، وعلي وجه الخصوص في أسبانيا والبرتغال.
وأخذت أجهزة الدعاية الشيوعية تبث ضبابا أحمر.. ونظمت حملة مدروسة من التشهير في روسيا، علي غرار ما جري في فرنسا وإنكلترا قبيل ثورتيهما.. وهكذا أصبح الإنسان العادي لا يتصور القياصرة والنبلاء الروس إلا وحوشا ملتحين، يستعبدون الفلاحين ويغتصبون نساءهم الشابات، ويخترقون أجساد الأطفال برماحهم في أثناء نزهاتهم علي ظهور الجياد عبر القوي.. ولكي تبرهن إن آخر القياصرة كان من المصلحين، فسوف نستشهد بكلمات لبرترام وولف وقد كان ضد القيصرية ومع الثورة.. يقول وولف في الصفحة 360 من كتابة "ثلاثة صنعوا ثورة": "بين 1907 و 1914، وتحت قوانين ستولين للإصلاح الزراعي، أصبح 2.000.000 من الفلاحين مالكين لأراضيهم في القرى.. وقد استمرت حركة الإصلاح تلك حتى في سني الحرب 1914 – 1917.. وفي أول كانون الثاني 1916 بلغ عدد المنتفعين 6.200.000 فلاح.. ورأي لينين أنّه لو تأخرت الثورة عقدين من الزمان، فستحول الإصلاحات الزراعية وجه الريف الروسي، بحيث لا يعود قوة ثورية يعتمد عليها.. وقد كان لينين علي حق.. فعندما دعا في العام 1917 الفلاحين "للاستيلاء علي أراضيهم" كانوا هم قد ملكوا أكثر من ثلاثة أرباعها في ذلك الوقت".
***
ومن سوء الحظ أن راسبوتين كان يمارس ضغوطا شريرة علي رجال ونساء البلاط الإمبراطوري.. وكانت الإمبراطورة واقعة بشكل كبير تحت تأثير راسبوتين، فقد كان الوحيد الذي استطاع وقف النزيف الذي أصاب ابنها الصغير.
ويبدو واضحا أن راسبوتين كان يتمتع بقوي نفسية مغناطيسية، الأمر الذي كان شائعا لدي فئة من الشعب الروسي.. وبدأ أنه استطاع أن يضع الإمبراطورة تحت سيطرته، لجعلها تجبر القيصر علي ما يريد راسبوتين أن يفعله، فكان هو الذي يحكم روسيا، الأمر الذي أدي إلي استياء الشعب الروسي.
ومن الثابت أيضا أن راسبوتين أدخل إلي دوائر البلاط رجالا ونساء كانوا يمارسون طقوسا وثنية، مثل التي كانت تنفذ سرا في البالية رويال قبيل اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789.. وكانت هذه الطقوس تستند إلي مبدإ تافه، يقول أن الأرواح لا تنجو إلا إذا انحدرت إلي الدرك الأسفل في الخطيئة!.. وأدخل راسبوتين المخربين إلي البلاط الإمبراطوري، مما مكنهم من الاطلاع علي أسرار الشخصيات الكبيرة، وبالتالي ابتزازهم وجرهم لفعل ما يأمرهم به رؤساء المخربين.
Share

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ارشيف المدونة

لـتصفح أنيـق