الثورة الفرنسية:
نجح الماسون في تجاربهم العملية بإسقاط نظم حكم وتولية أخري، وذلك من خلال ثورتين هما الثورة الإنجليزية في القرن 17 والثورة الأمريكية في 1776، والأخيرة نجحت في إقامة أول دولة ماسونية كاملة في التاريخ. وكان معظم الآباء المؤسسين كما يحلوا للأمريكيين أن يطلقوا عليهم هم من الماسون. وتمكن الماسون من السيطرة على الولايات المتحدة الناشئة عبر تولي سلسلة من الرؤساء الماسون المباشرين وغير المباشرين، وكذلك نوابهم وأعضاء حكوماتهم.
غير أن النجاح في إقامة دولة عن طريق طرد مستعمرها مثلما حدث في الثورة الأمريكية لم يكن هو الهدف المنشود. ولم تكن تجربة الثورة الإنجليزية التي كانت أقرب ما يكون لانقلاب القصر منها للثورة. لم تكن تجربة يطمئن لها فؤاد الماسون، وكذلك لعدم كونها ثورة شعبية.
وهنا وضع الماسون فرنسا هدفا لهم وذلك لعدة اسباب. ففرنسا كانت تعيش ظروفا اقتصادية واجتماعية وسياسية حرجة نتيجة لسياسات القصر الخاطئة، فضلا عن تدخل أيد الماسون خفية لإشعال الأمور. وقد عمل الماسون من خلال كتابهم فولتير وجان جاك روسو على إذكاء نيران الحقد الطبقي. كما تواجد في فرنسا في تلك الفترة رجال من أمثال كاليسترو (عضو الجمعيات السرية العديدة ومؤسس نظام مصراييم الماسوني)، وميرابو (الكاتب الماسوني وأحد قادة الثورة وعضو الجمعية الوطنية)، والماركيز دو لافايت (ماسوني عريق. أحد قادة الثورة الأمريكية وقائد الحرس الوطني فور بدا الثورة الفرنسية). وهكذا ألقت الماسونية بذخائر رجالها الفكرية والسياسية وراء التيار المطالب بإصلاحات للنظام الملكي. وعملت في نفس الوقت من خلال بعض أعضائها من العائلة المالكة على إشاعة أجواء الفساد والانحلال الخلقي بين الطبقة الحاكمة فازدادت ديون الدولة، مما دفع الطبقة الحاكمة إلى فرض ضرائب باهظة على الفلاحين والطبقة الوسطى بينما أعفي أعضاء الطبقة الحاكمة من تلك الضرائب. وتزامن ذلك مع شح في الأقوات نتيجة لتدهور الزراعة.
وفي ظل تلك الظروف مجتمعة قام الملك لويس السادس عشر بضغط من النبلاء بإقالة وزير المالية جاك نيكر الذي كان يقوم بإصلاحات مالية لم تتوائم مع مصالح النبلاء. وفور سماع المواطنين النبأ قاموا بالتوجه إلى سجن الباستيل وبعد أربع ساعات من المعارك التي انضمت خلالها بعض وحدات الجيش للثوار، تم الاستيلاء على الباستيل وأعدم قائده، كما أعدم عدد من النبلاء. وأجبر الملك على تقديم تنازلات كبيرة. وفي الوقت ذاته حاول بعض النبلاء تكوين تحالف من دول أوروبية ملكية للقضاء على الثوار، وحاول الملك الهرب فتم القبض عليه. وفي هذه الأثناء برزت على الساحة السياسية قوة جديدة هي نادي اليعاقبة الذي كان واحدا من ضمن مئات الأندية التي ظهرت في تلك الفترة ومن ضمنها أندية تناصر الملكية. وقد برز على رأس نادي اليعاقبة اثنان من الماسون هم ماكسيميليان روبسبيير ودانتون. وقد كان الأول من بين أعضاء لجنة الأمن العام التي سفكت دماء 1200 شخص بالمقصلة. بينما كان الثاني هو الدافع وراء سفك الدماء والتي تتفق مع الروح الماسونية التي تجلت فيما بعد في بروتوكولات حكماء صهيون. وكان من بين من أعدموا في تلك الفترة التي عرفت بعصر الإرهاب لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت، ثم أعدم روبسبيير نفسه بعد ذلك بعد أن أصيب برصاصة في فكه لكي لا يفشي تورط الماسونية.
وقد استمرت الثورة بكافة مراحلها عشر سنوات من 1789 إلى 1799 حينما استولى نابليون على السلطة. وكانت الثورة الفرنسية بالنسبة للماسونية حقلا خصبا ممتدا للتجارب تمكنت خلاله من تجربة العديد من نظم السياسة والإرهاب. فمثلا تمت تجربة المجالس الوطنية، والثورات الشعبية، وتأثير الجوع على السياسة، وحكم اللجان، وتأثير الحكم الإرهابي، وتأثير الجماعات السياسية.
وكانت نتائج الثورة الفرنسية فضلا عن كونها فرضت سيطرة مطلقة للماسونية على فرنسا أنها مكنت الماسونية من إتقان فن الثورات، فقامت بالإجادة فيما بعد خلال الثورة الروسية والانقلاب العثماني وما تلاهما من انقلابات عسكرية في دول العالم المختلفة والتي ارتدت دائما نفس الثوب.
شعارات الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان وقد علاها الشعار الماسوني وهو الهرم المضئ |
|
0 التعليقات:
إرسال تعليق